فصل: تفسير الآيات (32- 36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآية رقم (29):

{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)}
قوله عز وجل: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} هذا وإن كان خارجاً مخرج التخيير فهو على وجه التهديد والوعيد، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم لا ينفعون الله بإيمانهم ولا يضرونه بكفرهم.
الثاني: فمن شاء الجنة فليؤمن، ومن شاء النار فليكفر، قاله ابن عباس.
الثالث: فمن شاء فليعرِّض نفسه للجنة بالإيمان، ومن شاء فليعرض نفسه للنار بالكفر.
{إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن سرادقها حائط من النار يطيف بهم، قاله ابن عباس.
الثاني: هو دخانها ولهيبها قبل وصولهم إليها، وهو الذي قال الله تعالى فيه {إلى ظلٍّ ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب} [المرسلات: 30-31]. قاله قتادة.
الثالث: أنه البحر المحيط بالدنيا. روى يعلى بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البحر هو جهنم» ثم تلا {ناراً أحاط بهم سرادقها} ثم قال «والله لا أدخلها أبداً ما دمت حياً ولا يصيبني منها قطرة» والسرادق فارسي معرب، واصله سرادر.
{وإن يستغيثوا يُغَاثوا بماءٍ كالمهل} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أنه القيح والدم، قاله مجاهد.
الثاني: دردي الزيت، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه كل شيء أذيب حتى انماع؛ قاله ابن مسعود.
الرابع: هو الذي قد انتهى حره، قاله سعيد بن جبير، قال الشاعر:
شاب بالماء منه مهلاً كريهاً ** ثم علّ المتون بعد النهال

وجعل ذلك إغاثة لاقترانه بذكر الاستغاثة.
{بئس الشراب وساءت مرتفقاً} في المرتفق أربعة تأويلات:
أحدها: معناه مجتمعاً، قاله مجاهد، كأنه ذهب إلى معنى المرافقة.
الثاني: منزلاً قاله الكلبي، مأخوذ من الارتفاق.
الثالث: أنه من الرفق.
الرابع: أنه من المتكأ مضاف إلى المرفق، ومنه قول أبي ذؤيب:
نامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ الليْلَ مُرْتَفِقاً ** كَأَنَّ عَيْنِي فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ

.تفسير الآيات (30- 31):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}
قوله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نضيع أجْر من أحسن عملاً} روى البراء بن عازب أن أعرابياً قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: إني رجل متعلم فأخبرني عن هذه الآية {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية فقال رسول الله صلى عليه وسلم «يا أعرابي ما أنت منهم ببعيد ولا هم ببعيد منك، هم هؤلاء الأربعة الذين هم وقوف، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي فأعلم قومك أن هذه الآية نزلت فيهم».
قوله عز وجل: {ويلبسون ثياباً خُضْراً مِن سندس وإستبرق} أما السندس: ففيه قولان:
أحدهما: أنه من ألطف من الديباج، قاله الكلبي.
الثاني: ما رَقَّ من الديباج، واحده سندسة، قاله ابن قتيبة. وفي الاستبرق قولان:
أحدهما: أنه ما غلظ من الديباج، قاله ابن قتيبة، وهو فارسي معرب، أصله استبره وهو الشديد، وقد قال المرقش:
تراهُنَّ يَلبْسنَ المشاعِرَ مرة ** وإسْتَبْرَقَ الديباج طوراً لباسُها

الثاني: أنه الحرير المنسوج بالذهب، قاله ابن بحر.
{متكئين فيها على الأرائك} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها الحجال، قاله الزجاج.
الثاني: أنها الفُرُش في الحجال.
الثالث: أنها السرر في الحجال، وقد قال الشاعر:
خدوداً جفت في السير حتى كأنما ** يباشرْن بالمعزاء مَسَّ الأرائكِ

.تفسير الآيات (32- 36):

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)}
قوله تعالى: {واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين} الجنة: البستان، فإذا جمع العنب والنخل وكان تحتها زرع فهي أجمل الجنان وأجداها نفعاً، لثمر أعاليها وزرع أسافلها، وهو معنى قوله {وجعلنا بينهما رزعاً}.
{كلتا الجَنتين آتت أكلُها} أي ثمرها وزرعها، وسماه أكُلاً لأنه مأكول.
{ولم تظلم منه شيئاً} أي استكمل جميع ثمارها وزرعها.
{وفجرنا خِلالهما نهراً} يعني أن فيهما أنهاراً من الماء، فيكون ثمرها وزرعها بدوام الماء فيهما أو في وأروى، وهذه غاية الصفات فيما يجدي ويغل.
وفي ضرب المثل في هاتين الجنتين قولان:
أحدهما: ما حكاه مقاتل بن سليمان أنه إخبار الله تعالى عن أخوين كانا في بني إسرائيل ورثا عن أبيهما مالاً جزيلاً، قال ابن عباس ثمانية آلاف دينار. فأخذ أحدهما حقه وهو مؤمن فتقرب به إلى الله تعالى، وأخذ الآخر حقه منه وهو كافر فتملك به ضياعاً منها هاتان الجنتان، ولم يتقرب إلى الله تعالى بشيء منه، فكان من حاله ما ذكره الله من بعد، فجعله الله تعالى مثلاً لهذه الأمة.
والقول الثاني: أنه مثل ضربه الله تعالى لهذه الأمة، وليس بخبر عن حال متقدمة، ليزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة، وجعله زجراً وإنذاراً.
قوله عز وجل: {وكان له ثمرٌ} قرأ عاصم بفتح الثاء والميم، وقرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم، وقرأ الباقون ثُمُر بضم الثاء والميم. وفي اختلاف هاتين القراءتين بالضم والفتح قولان:
أحدهما: معناهما واحد، فعلى هذا فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه الذهب والفضة، قاله قتادة، لأنها أموال مثمرة.
الثاني: أنه المال الكثير من صنوف الأموال، قاله ابن عباس لأن تثميره أكثر.
الثالث: أنه الأصل الذي له نماء، قاله ابن زيد، لأن في النماء تثميراً.
والقول الثاني: أن معناهما بالضم وبالفتح مختلف، فعلى هذا في الفرق. بينهما، أربعة أوجه:
أحدها: أنه بالفتح جمع ثمرة، وبالضم جمع ثمار.
الثاني: أنه بالفتح ثمار النخيل خاصة، وبالضم جميع الأموال، قاله ابن بحر.
الثالث: أنه بالفتح ما كان ثماره من أصله، وبالضم ما كان ثماره من غيره.
الرابع: أن الثمر بالضم الأصل، وبالفتح الفرع، قاله ابن زيد.
وفي هذا الثمر المذكور قولان:
أحدهما: أنه ثمر الجنتين المتقدم ذكرهما، وهو قول الجمهور.
الثاني: أنه ثمر ملكه من غير جنتيه، وأصله كان لغيره كما يملك الناس ثماراً لا يملكون أصولها، قاله ابن عباس، ليجتمع في ملكه ثمار أمواله وثمار غير أمواله فيكون أعم مِلكا.
{فقال لصاحبه} يعني لأخيه المسلم الذي صرف ماله في القُرب طلباً للثواب في الآخرة، وصرف هذا الكافر ماله فيما استبقاه للدنيا والمكاثرة.
{وهو يحاوره} أي يناظره، وفيما يحاوره فيه وجهان:
أحدهما: في الإيمان والكفر.
الثاني: في طلب الدنيا وطلب الآخرة، فجرى بينهما ما قصة الله تعالى من قولهما.

.تفسير الآيات (37- 41):

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}
قوله تعالى: {فعسى ربّي أن يؤتين خيراً مِنْ جنتك} فيه وجهان:
أحدهما: خيراً من جنتك في الدنيا فأساويك فيها.
الثاني: وهو الأشهر خيراً من جنتك في الآخرة، فأكون أفضل منك فيها.
{ويرسل عليها حُسْباناً من السماء} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: يعني عذاباً، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: ناراً.
الثالث: جراداً.
الرابع: عذاب حساب بما كسبت يداك، قاله الزجاج، لأنه جزاء الآخرة. والجزاء من الله تعالى بحساب.
الخامس: أنه المرامي الكثيرة، قاله الأخفش وأصله الحساب وفي السهام التي يرمى بها في طلق واحد، وكان من رَمي الأساورة.
{فتصبح صعيداً زلقاً} يعني أرضاً بيضاء لا ينبت فيها نبات ولا يثبت عليها قدم، وهي أضر أرض بعد أن كانت جنة أنفع أرض.
{أو يصبح ماؤها غوراً} يعني ويصبح ماؤها غوراً، فأقام أو مقام الواو، و{غوراً} يعني غائراً ذاهباً فتكون أعدم أرض للماء بعد أن كان فيها.
{فلن تستطيع له طلباً} ويحتمل وجهين:
أحدهما: فلن تستطيع رد الماء الغائر. الثاني: فلن تستطيع طلب غيره بدلاً منه وإلى هذا الحد انتهت مناظرة أخيه وإنذاره.

.تفسير الآيات (42- 44):

{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}
قوله عز وجل: {وأحيط بثمرِهِ} أي أهلك ماله، وهذا أول ما حقق الله به إنذار أخيه. {فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها} يحتمل وجهين:
أحدهما: يقلب كفيه ندماً على ما أنفق فيها وأسفاً على ما تلف.
الثاني: يقلب ملكه فلا يرى فيه عوض ما أنفق وهلك، لأن الملك قد يعبر عنه باليد، من قولهم في يده مال، أي في ملكه.
{وهي خاويةٌ على عروشِها} أي منقلبة على عاليها فجمع عليه بين هلاك الأصل والثمر، وهذا من أعظم الجوائح مقابلة على بغيه.
قوله عز وجل: {ولم تكُنْ له فِئة ينصرونه منْ دونِ الله} فيه وجهان:
أحدهما: أن الفئة الجند، قاله الكلبي.
الثاني: العشيرة، قاله مجاهد.
{وما كان منتصراً} فيه وجهان:
أحدهما: وما كان ممتنعاً، قاله قتادة.
الثاني: وما كان مسترداً بدل ما ذهب منه.
قال ابن عباس: هما الرجلان ذكرهما الله تعالى في سورة الصافات حيث يقول: {إني كان لي قرين} إلى قوله {في سواء الجحيم} وهذا مثل قيل إنه ضرب لسلمان وخباب وصهيب مع أشراف قريش من المشركين.
قوله تعالى: {هنالك الولاية لله الحق} يعني القيامة. وفيه أربعة أوجه:
أحدها: أنهم يتولون الله تعالى في القيامة فلا يبقى مؤمن لا كافر إلا تولاه، قاله الكلبي.
الثاني: أن الله تعالى يتولى جزاءهم، قاله مقاتل.
الثالث: أن الولاية مصدر الولاء فكأنهم جميعاً يعترفون بأن الله تعالى هو الوليّ قاله الأخفش.
الرابع: أن الولاية النصر، قاله اليزيدي.
وفي الفرق بين الولاية بفتح الواو وبين الولاية بكسرها وجهان:
أحدهما: أنها بفتح الواو: للخالق، وبكسرها: للمخلوقين، قاله أبو عبيدة.
الثاني: أنها بالفتح في الدين، وبكسرها في السلطان.